الناشط المدني والكاتب الصحفي سلام خالد
على الرغم من أن الشرارة الأولى للأحداث في تونس كانت عنفية وما تبعتها من تدهور سياسي سريع أدى إلى تغيير وزير الداخلية التونسي ومن ثم تغيير وزاري ألا إن الانتفاضات الشعبية دائما ما تتوالد أفكارها مع استمرار الاستجابة لها.
إن التونسي الذي احرق نفسه في منتصف كانون الاول ديسمبر الماضي في بلدة سيدي بوعزيز لم يكن مخططا لعملية انقلاب ثورية، ولم يعرف ان فعله الكبير سيسقط حاكما جثم على صدر ابناء شعبه منذ 25 عاما، الا انه كان سببا في اندثار ديكتاتور عربي تخلى عنه الذين قاموا بتنصيبه طاغوتا على اهله.
ولو نظرنا الى الاحزاب السياسية المتواجدة هناك، لم تتمكن بعد حتى من تهيئة الشارع وضبطه نحو اهداف سياسية فعلية ومحددة لأنها لم تتوقع ان تنتج ثورة شعبية عفوية نحو اسقاط السلطة في البلاد.
الشرارة الاولى عنفية وما تبعه من احداث شغب واعمال عنف وسرقات ونهب تجعلنا نعرف ان المجتمعات لا تخلو من العابثين الذين يستغلون الفوضى للحصول على اهداف غير نبيلة.
اللاعنف ووسائله الحميدة حضروا الى شوارع تونس ومدنها وقراها لكن المشكلة في التطبيق، لأن اول شيء تم فعله في تونس بعد هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي هو البحث عنه وعن عائلته للانتقام واليوم تونس رفعت بشأنه ورقة اعتقال وسلمتها للشرطة الدولية، في حين كان الاولى هو ترتيب الاوضاع الداخلية ومن ثم الانتباه الى المجرمين والقصاص منهم.
احداث تونس ستزداد سخونة والشارع سيغلي اكثر، لأنهم شعب تفاجأ بالحرية وبالديمقراطية، بعد كبت لعقدين ونصف تصبح الصحف محررة من سجون الظلم والسجناء السياسيون سيطالبون بأكثر مما تعرضوا له وكل مستفيد من بن علي سيكون عرضة للمساءلة وكأني اقرأ تاريخ العراق بنكهة تونسية.
اعتقد ان الحل بيد التونسيين وحدهم وهم الذين عليهم ايجاد طرق سلمية اكثر للتعبير عن افكارهم ووسائل ايجابية اكثر تحفظ دمائهم وحقوقهم التي دائما ما ننتزعها في البلدان العربية دون ان نحصل عليها ببساطة.
حرق الاجساد ظاهرة عنفية خطيرة تفتك بالارواح، ولكن ليكن التفاؤل صاحب الانسان ولا يذهب به اليأس كما فعل بآخرين في مصر والجزائر وموريتانيا وقبلهم تونس.
تونس اليوم حمراء من الدماء التي تسيل وستكون خضراء ان عرفت طرق السلم بالدفاع عن الحقوق والحريات، لا ادين بو عزيز على حرقه لنفسه ولكني تأسفت على الظرف الذي ذهب به الى هذه النتيجة.
الشعوب العربية تنتفض عندما يصل السيل الزبى في حين يجب ان نتحرك عندما نشعر ان الرئيس او المسؤول بدأ يفكر بطرق غير ديمقراطية او على الاقل يفكر ببقاءه بمنصبه دون خدمة الناس.
اللاعنف بدأ خجولا في تونس التي سيطر الجيش على مؤسساتها، لكنه سينضج فكره ومنهجه نحو ايجاد مجتمع قادر على حكم نفسه بنفسه بدون وصاية اجنبية او طاغوت محلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق